مناقشة

مناقشة نتائج المرحلة الأولى من الدراسة
 
العلاقة بين الملابس وبين التحرُّش الجنسي
 
أكّدت النتائج التي تمّ جمعها من خلال هذه الدراسة على أن الفتيات والنساء من مختلف مجموعات السلوكيات الكسائية (الموضات المختلفة) كُنّ عُرضة إلى التحرُّش الجنسي. كما أكّدت النتائج كذلك على وجود تباين واضح بين معدلات التعرّض إلى التحرُّش الجنسي بين مجموعات الفتيات والنساء بناء على السلوكيات الكسائية المُتمثّلة في استايل الملابس في كل مجموعة. يمكننا ملاحظة أن النساء والفتيات اللاتي صنّفت استايل ملابسها بالنموذج رقم (1) على أقصى يمين الرسوم البيانية السابقة (أسفل الشكل التالي) تـتعرّضن إلى التحرش الجنسي بواقع سبعة مرات أكثر من الفتيات والنساء اللاتي صنّفن استايل ملابسهن بالنموذج رقم (8) في أقصى يمين الرسوم البيانية السابقة (أعلى الشكل التالي). وهو ما يعكس فجوة ضخمة تؤكّد على أن التحرّش الجنسي في الشارع المصري ظاهرة، وإن كانت تهدّد النساء والفتيات بصرف النظر عن الفئة العمرية أو الملابس، إلا أن الدراسة الحالية توضّح بما لا يدع مجالاً للشك أن الملابس قد تكون عاملاً مساعداً لا يمكن تجاهُله، وأن المظهر هو أحد العناصر الفاعلة والمؤثّرة من عناصر الظاهرة.

الشكل التالي يبيّن عدد الفتيات والنساء العُرضة للتحرُّش الجنسي بسلوكياته الخمسة من بين كل عشرة فتيات من نفس مجموعة السلوك الكسائي (نفس الموضة). وقد عبّرنا عن نسبة من يتم التحرش بهنّ من كل مجموعة بالظل الأحمر.


وبالرغم من أن 47% فقط من الفتيات والنساء المشاركات في الدراسة قد عبّرن عن اعتقادهن بوجود علاقة بين الملابس وبين التعرّض إلى المعاكسات. فعندما استخدمنا إعادة صياغة السؤال لمناقشة حقيقة اكتساب خبرات فعلية وتجارب عملية لدى الفتيات والنساء تعكس وجود مثل تلك العلاقة، وجدنا أنه رغبةً في تجنّب المعاكسات، عبّرت

36% من المشاركات عن تجنّبهنّ "أحيانا" لارتداء بعض الموضات التي تفضلها

29% من الفتيات عن تجنبهن "غالباً" لارتداء بعض الموضات التي تفضلها من أجل تجنُّب المعاكسات.

وكان مجموع المشاركات اللاتي يتجنّبن "أحياناً" أو "غالباً" ارتداء بعض الموضات تجنّباً للمعاكسات هو 298 من واقع 456 مشاركة أي بنسبة 65.35% من الفتيات والنساء المشاركات.
وفي السؤال عمّا إذا كانت المُشارِكة قد جرّبت ارتداء موضات مختلفة وما إذا كان بعض تلك الموضات قد ارتبط بزيادة التعرّض للمعاكسات، عبّرت (305) من الفتيات والنساء عن تجربتهنّ لاستايلات ملابس مختلفة، ومن بين هذا العدد وجدنا أن 64.26% منهنّ استشعروا أن بعض تلك الموضات ارتبطت فعلياً بزيادة التعرُّض للمعاكسات. وبرغم التباين في السؤالين فقد شكّلت نتائجهما توثيقاً لحقيقة وجود علاقة على المستوى العملي والخبرات الشخصية لدى الفتيات والنساء بين ملابس المرأة من جهة وبين المعاكسات من جهة أخرى.


وللتأكد من مصادفة تقارب النسبتين بحيث تكون لتلك المُقاربة قيمة حقيقية، كان لا بد من التأكد من أنه ليس كل من أجابت بانها تتجنّب "أحيانا" أو "غالبا" ارتداء ملابس معينة (نسبة 65.35%) هنّ نفس الفتيات والنساء الذين أجابوا بأنهن قد جرّبوا ارتداء ستايلات ملابس مختلفة ليجدوا أن بعضها يرتبط بزيادة المعاكسات. لذلك قمنا بعزل نسبة 65.35% وهي المشاركات التي أجابت صاحباتها بتجنب بعض الموضات "أحيانا" أو "غالباً"، ووجدنا أن تلك النسبة تَشكّل 298 فتاة وامرأة انقسمت إجاباتهنّ على السؤال الثاني كما يلي:

149 مشاركة لم يجربوا تغيير حقيقي في استايل الملابس

91 جربوا موضات مختلفة وشهرن بأن بعضها يرتبط بزيادة المعاكسات

58 مشارِكة جربوا موضات مختلفة ولم يلحظوا تغييراً في التعرض إلى المعاكسات



وبالتالي فإن إجمالي نسبة الفتيات والنساء اللاتي شعرن بوجود علاقة عملية بين الملابس وبين المعاكسات والتي بلغت حوالي 65% قد تمّ استنتاجها وتأكيد دلالتها عبر طريقين مختلفين، مما يوثّق قيمة تلك النتيجة ويُدلّل على مصداقيتها.


مناقشة نتائج المرحلة الثانية من الدراسة
 
المقارنة بين حجم ظاهرة التحرُّش الجنسي وبين الوعي المجتمعي
 
أظهرت نتائج المرحلة الثانية من الدراسة وجود فجوة بين تقدير الرأي العام لمدى انتشار سلوكيات التحرّش الجنسي في المجتمع وبين واقع الظاهرة. يعكس ذلك من جهة نجاح المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية المصرية في توعية المجتمع بالظاهرة السلبية ونقلها من حيّز المسكوت عنه إلى حيّز المُعترف به. ولكن تلك الفجوة قد تعكس أيضاً قدراً من التمادي في تناول الظاهرة إعلامياً واستثمارها على المستويات السياسية والانتخابية والاجتماعية من قِبل مختلف التيارات والمؤسسات المدنية، حتى أصبح تقدير الرأي العام لحجم الظاهرة يفوق مرة ونصف حجمها الطبيعي.

تلك المبالغة قد تكون لها انعكاساتها الإيجابية من حيث الدفع بقوة أكبر إلى تحليل الظاهرة ودراستها ووضع الحلول الاجتماعية والقانونية لها. ولكن من جانب آخر فإن المبالغة في تقدير الظواهر الاجتماعية السلبية قد ينعكس على رؤية المجتمع لذاته وكذلك على زيادة مناخ الاحتقان الجيندري بين الجنسين في المجتمع، حيث قد تؤدي المبالغات إلى قولبة مزيد من النساء في إطار الضحية، وقولبة مزيد من الرجال في إطار المتهم، مما ينعكس سلباً على العلاقة بين الجنسين في المجتمع بشكل عام، ومما قد يؤدّي إلى زيادة روح العدوانية والتنافر والاتهامات المتبادلة بين الرجال والنساء وبين الفتيات والشباب، وهو ما لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج تصب في صالح السلام الاجتماعي، ولا يخلق مناخاً صحّياً لتأسيس علاقات صحّية ومتفهّمة بين الجنسين، وإنما قد يدفع إلى مزيد من العدوانية المتبادلة. والذي نستغربه هو أن إدراك المجتمع لظاهرة التحرش الجنسي وإن كان كما يتّضح من دراستنا هذه يعترف بالواقع الحقيقي ويفوقه بفجوة كبيرة، فإن المؤسسات المدنية النسائية لازالت تروّج لفكرة أن حجم الظاهرة هو بالفعل أكبر مما نشعر به، وأن المجتمع لا زال يعيش في حالة إنكار لها. وهو ما يعكس نيّة استمرار نفس النهج والاستراتيجيات التي ربما تهدف للدفع نحو محاصرة الظاهرة وعلاجها- إلا أنه قد يؤدي لزيادة الفجوة بين واقع الظاهرة وبين تصوُّرات الرأي العام لها.

وقد تناولت كثير من الكتابات الأمريكية فكرة وجود فجوة شبيهة في المجتمع الأمريكي بين واقع التحرشات الجنسية وبين ما تروّجه على الأخص الجمعيات والمنظمات النسائية. فتحدّثت عنه المؤلفة "كاري إل لوكاس" في كتابها The Unofficial Guide to Feminism وتناولته المؤلفة الأمريكية "كيت أوبيرن" في كتابها Women Who Make The World Worse أو "نساء جعلن العالم أكثر سوءا" والذي خصّصت فيه فصلاً بعنوان "تسميم العلاقة بين الجنسين".

ومن المؤسف أن ظاهرة مثل التحرُّش الجنسي وبرغم ما تلقاه من تغطية إعلامية مكثّفة إلا أنها لم تحظى برصيد كافي من الدراسات القيّمة والمحايدة والمهنية. وهو ما قد يعكس ميلاً عاماً لاتسهلاك الظاهرة كمادة إعلامية ساخنة أو للمزايدة السياسية أكثر منه رغبة حقيقية في الرصد والتحليل والإحصاء الدقيق والتخطيط الهادئ لاستراتيجيات فعّالة وناجحة ومتوازنة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق